الاثنين، 30 يونيو 2014

كيف تطور نفسك بالقراءة ؟


غردتُ قبل أيامٍ عن وسائل الرقي ومسالك النهوض في أربع مجالات أحسبها من ضروب التطوير الشخصي التي يقبحُ بالمرء إهمالـُها( الأسلوب البياني_والإيمان_والتربية الذاتية_والخبرات الحياتية )

فقلتُ:
‏_اقرأ في كتب الأدب يرتقي أسلوبك.
_واقرأ كتب الوعظ يرتقي إيمانك.
_واقرأ كتب السير والتراجم ترتقي تربيتك.
_واقرأ كتب التاريخ ترتقي خبرتك.

فسألني شابٌّ نبيهٌ قد كنتُ أعلم أنه لن يسبقه أحدٌ في الاستفسار عن أهم هذه الكتب لما أرى من فورةِ همته وتوقــــّدِ حماسه زاده الله علماً وتوفيقاً.

والقراءة لها غاياتٌ متنوعة، ومقاصدُ مختلفة فهناك من يقرأ للمتعة، وآخر يطالع الكتب للبحث والدراسة المنهجية، وثالثٌ يجرد المصنفات للعلم والفائدة، ورابعٌ ينقــّبُ في الكتب عما يرتقي به في معارج الكمال ويصعد به في سلم النجاح.

والتوجيهُ يختلف باختلاف المقاصد والغايات، ففي علوم العربية مثلاً من جاءنا راغباً في المتعة قلنا له عليك بكتب( الروايات ) ومؤلفات( النوادر والحكايات).

ومن قصد البحث والدراسة المنهجية أرشدناه للقواميس والموسوعات وكتب أصول اللغة وعيون المتون العمد في بابها.

ومن يفتش عن الفائدة ويطرب بالمعلومة دون قيد التكليف الدراسي أو عبء الواجب المنهجي حثثناه على جرد كتب المحققين ونتاج النابغين وأبحاث الراسخين في فنون اللغة.

ومن رام حذقَ الأسلوب والركضَ في ميادين البيان، والارتشاف من معين الأدب دللناه على كتب أمراء البلاغة وفرسان الفصاحة يرتوي من بديع ألفاظهم ويكسو كلامه بروائع معانيهم ويتشبع من حسن تراكيبهم.

حسناً
سنتحدثُ فقط هنا عمّن يتوخّى من القراءة تفجيرَ مكامنِ إبداعه، ويرجو من ورودِ أنهارها تشقيقَ جداولِ مهاراته، ويأملُ من خوضِ غـِمار بحارها الوصولَ لشواطىء نجاحه.

فلكي يرقى إيمانـُك وتسري بروحك لليقين الأقصى (وسبحان من أسرى) وتعرج بقلبك لسموات التقوى
عليك بكتب العلماء العاملين الذين صاغوا مؤلفاتهم بماء دموعهم ممزوجاً بمداد أقلامهم( كابن الجوزي وابن القيم وابن رجب الحنبلي )

ومن أهم الكتب التي تقوي الإيمان وتزيد المعرفةَ بأحوالِ عبادِ الرحمن:
_مجموعة ابن القيم الذهبية في السلوك والرقائق وهي( مدارج السالكين_والجواب الكافي_والفوائد_وطريق الهجرتين_وحادي الأرواح_والوابل الصيب_وعدة الصابرين_وروضة المحبين)
_رياضُ الصّالحين والأذكار كلاهُما للنّووي
_التخويف من النار لابن رجب( ومجموع رسائله في أربع مجلدات فإنها كنزٌ إيمانيٌ علميٌ قلّ نظيره)
_مختصرُ مـِنهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي.
_التذكرة بأحوال الموت والدار الآخرة للقرطبي
_موعظةُ المؤمنين للقاسمي

ولكي ترقى بأسلوبك وتكتسب الفصاحة فلابد أن تكثر من قراءةِ كتب البـُلغاء ، وتركض لسانك بترديد عبارات الفصحاء.

وعليك أولاً بكتب المتأخرين فإن أسلوبهم أقرب للفهم وأسهل للحفظ وأكثر تداولاً وأشهر استعمالًا.

ومن أحسنها أسلوباً وأسلمها منهجاً كتب عميد أدبنا الإسلامي والعربي الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله خاصة مذكراته الماتعة.

وكذلك كتب الأديبِ المفلق مصطفى المنفلوطي فإنه إمامُ الناثرين بلا منازع( سيّما كتابه العجاب النظرات وشقيقه الآخر العبرات).

ولا تنسَ أديب العربية أبا فهر الأستاذ الجهبذ محمود شاكر( ومن أجلِّ كتبه كتاب المتنبي ) وفي مراحل متقدمة كتب الأستاذ مصطفى الرافعي( ومن أمتع كتبه: من وحي القلم، وتحت راية القرآن )

كما لا تهمل قراءةَ كتب العلامة الأديب الشيخ بكر أبو زيد فإنها فائقةُ الأسلوب، رائقةُ المعنى( وقد ذكر رحمه الله أنه تأثر بأسلوب ثلاثة من المعاصرين:الطاهر بن عاشور_ومحمد البشير الإبراهيمي_ومحمد الخضر حسين.
وكان يقول :ما أفدتُ في البيان كفائدتي من هؤلاء )

ثمّ عليك بكتب الأدب الأصول كـ:
_عيون الأخبار لخطيب أهل السنة ابن قتيبة.
_والبيان والتبيّن للجاحظ
_والعـِقدُ الفريد لابن عبيد ربه الأندلسي
_ولاتهمل قراءة كتاب( العُود الهندي) للسّقاف ومع أنّ مؤلفه متأخرٌ إلا أنه أتى فيه بالعجب العُجاب.

واحفظْ ماتيسر من أبيات الشعر السائرة، وإذا رُمتَ كتاباً يجمع شتاتها ويضمُّ متفرقها فأنصحكَ بكتابين :
_السحر الحلال للهاشمي
_ومعجم لآلئ الشعر للدكتور إيميل يعقوب
_وهناك رسالةٌ لطيفةٌ للشيخ عائض القرني بعنوان( أبياتٌ سارتْ بها الرُكبان).

وإذا أردتَ الفصاحةَ بأيسر طريق وأسهل سبيل فارفعْ صوتــَك عند القراءة في هذه الكتب حتى تدور في مسامعك الألفاظ وتستقر في جَنـَانِك المعاني والتراكيب.

وتأمل أيها المسدّد في هذه القصة التي يرويها أبو هلال العسكري رحمه الله:
( وحُكي لي عن بعض المشايخ أنه قال: رأيت في بعض قرى النبط فتى فصيح اللهجة، حسن البيان، فسألته عن سبب فصاحته مع لكنة أهل جلدته فقال: كنت أعمدُ في كل يوم إلى خمسين ورقة من كتبِ الجاحظ، فأرفع بها صوتي في قراءتها، فما مر لي إلا زمان قصير حتى صرت إلى ما ترى).

أما تهذيبُ النفس وتربية الذات وتقويم الخلق فيتأتـــّى بمطالعة سير القوم، وإدامة النظر في أخبارهم ومن غُرر الكتب التي اعتنت بالسير والتراجم:
_سير أعلام النبلاء للذهبي أو تهذيبه للشيخ محمد موسى الشريف المسمى نزهة الفضلاء بتهذيب سير أعلام النبلاء ( في أربع مجلدات فقط).
_صفةُ الصّفوة لابن الجوزي
_حِليةُ الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني.

ومن كتبِ المعاصرين الشائقة:
_صور من حياة الصحابة
_وصور من حياة التابعين
للدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا.

أما التاريخُ فهو مرآة الأمم وتجارب الشعوب وقراءة التاريخ تجلي لنا سبل النهوض وعوامل السقوط وتلخص لنا التجارب:
ومن حوى التاريخَ في صدره فقد أضاف أعماراً إلى عمره.

ومن كتبِ التاريخ الجامعة:
_تاريخُ الإسلام للذهبي
_والبداية والنهاية لابن كثير
_وتاريخ الطبري

وإنْ استعظمتَ كثرةَ مجلداتها وتهيبتْ ركوب مطايا صفحاتها، فعليك بكتب المعاصرين الميسرة كسلسلة التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر الشامي وكتب المؤرخ الليبي الدكتور علي الصلابي.

والتاريخُ هو علمُ تجاربِ الأمم ، وفنُّ أحوالِ الشعوب.
اقرأوا التاريخَ إذ فيه العبرضلّ قومٌ ليس يدرون الخبر.

وأولُّ درسٍ ستتعلمه من التاريخ :
أنّ أمتنا لم تتعلم من التاريخ!!!

وبعد فهذه بعضُ الكتب النافعة للرقيِّ والتطويرِ الذاتي في المجالات الأربعة المذكورة فاقدحْ نارَ العزم، وأشعلْ فتيلَ الهمة، فلا يصلح المجدُ إلا لأمثالك ، ولا تعلو الأمةُ إلا بأشباهك.

عبدالله بن أحمد الحويل
1435/8/16



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشرف بتلقي تعليقك
ونشكرك على التكرم بالمشاركة