الاثنين، 30 يونيو 2014

قصة كتاب (التوحيد الميسر)



*قبل اثني عشرة عاماً وتحديداً في أواخر شهر شوال 1423 من الهجرة نهض عزمي لتأليف رسالةٍ مختصرةٍ في باب( التوحيد).

*وكنتُ أرجو أن أنتهي من كتابتها وطباعتها قبل موسم الحج ليتسنى توزيعها على حجاج بيت الله الحرام الذين وفدوا من( كل فجٍّ عميق). 

*كان تحدياً صعباً ومهمةً شاقةً فـعاملُ الوقت وعبءُ( تكاليف الطباعة ) يجعلان من تحقق الأمنية( ضرباً من المستحيل ). 

*وكدتُ أن أطردَ هذا الحلم من مخيلتي وأصرف هذا الهدف من ساحات طموحي حتى هيأ الله لقاءً في بيتِ الشيخ الداعية الخفي والمحسن النقي /محمد بن فهد الحنايا( وكمْ لهذا الرجل عَليَّ من نـِعمٍ لا يستوفي حقـــّها شكرٌ ، ولا يضطلع بأعبائها ثناءٌ )فبثثتُ له مافي صدري وكشفتُ له خفي أمري.
فلم يـَفــُت في عَضدي ولم يكسرْ مجاديفَ أملي بل ربـّتَ على كتفي قائلاً : لا تحمل همّ المال فأنا مُتكفلٌ بطباعة الكتاب وسائر أعباء نشره وتوزيعه فامضِ على بركة الله.

*كلماتُ الشيخ الحنايا نفختْ الروحَ في همتي وأحيتْ العزيمةَ في قلبي فأنبتتْ عـُكوفاً في البيت صارماً وأثمرتْ بحثاً وكتابةً دائبةً
حتى استوى الكتابُ على سُوقه يعجبُ (القراء).
وتكاملتْ مباحثه وفُصولــُه في عشرة أيام .

*وسارعنا في استخراج الفسوحات الإعلامية وإتمام الإجراءات النظامية ثم دفعناه للمطبعة وخرج منها بعد أسبوع( 10000) نسخة في كامل البهاء الورقي والإخراج الفني.

*بـَقيتْ لدينا معضلةُ( الشحن والنقل )!!  لكن تصدّى لها شهمٌ كريمٌ يُدعى /عبدالعزيز اليوسف فسعى لنا عند من ينقلها للبقاع المقدسة مجاناً وانتدب نفسه جزاه الله خيراً للإشراف على توزيعها شخصياً

*وفي موسم الحج  وعلى أصداء التــّلبيةِ وهديرِ التّكبير كان الإخوةُ يتسابقون لتوزيع الكتب  على ضيوف الرحمن.

*لكني لحظتُ أن كراتين ( التوحيد الميسر)  قابعةٌ في المخزن لم يـُوزّع منها شيء !!!

*آذنتْ  شمسُ الموسمِ بالمغيب وعلتْ يدُ أيامه مـُلوِّحةً بالرحيل .

*والكراتينُ لم تراوحْ مكانـــَها والقومُ يتهامسون بينهم بـ( دندنة ) لم أفهمها فأدركتُ أنّ (وراءَ الأكمة ماوراءَها )!!

*وطفقتُ أُسائلُ هذا وذا ما الخبر؟
فلم أجد جواباً يشفي العليل ولا نبأً يروي الغليل إنما هي( تعلّاتٌ) لا يرضخ لها منطقٌ،  ولا تنطلي على( عاقل ).

*كنتُ كلما سألتهم :متى توزعون( التوحيد الميسر ) أجابوا :ربما في الغد إن شاء الله .
*ومضت الأيامُ ولم يأتِ( غَـدُهم ) هذا!!
فكانت وُعودُهم برق خُلـــّب،  وروغانَ ثعلب.

*فقصدتُ  الأخ النبيل / عبدالعزيز اليوسف أناشده الله أن يصدقني الخبر.
فأطرقَ خجلًا وأغضى حياءً ثم فضّ خاتمَ السِّر وأظهر ما يُكنـــّه القوم وصارحني بالحقيقة :
_بعض الإخوة هنا (هداهم الله ) ألقوا في أفواه الشباب وقذفوا في روعهم أنّ كتابك يطفح بالأخطاء العقدية وأفتوا لهم بـ( حُرمة) توزيعه!!!.

لكن لا تبتأسْ يا أبا خالد فقد هاتفتُ بعض المسؤولين على توزيع الكتب في مطار الملك عبدالعزيز وسيتم توزيع كامل النسخ هناك.

*ثم أردفَ مواسياً (جزاه الله عني كل خير): ولعلّ في الأمر خيرة فلو أنّ الكتب وُزعتْ في أثناء الموسم لربما ضاعت أو نسيها الحاج في مخيمه.
بينما توزيعها في المطار يضمنُ لنا سفر الكتاب مع ألأمتعة والحقائب فقرْ عيناً ولا تحزنْ. 

*الآن حصحصتْ( الحقيقة ) وفهمتُ سرَّ تغامزِ( القوم) وتهامُسِهم فتلفــّعتُ بالحزن العميق.
لكنني أخفيتها في نفسي ولم أبدها لهم.
( أخطاءٌ عقدية )!!!
هكذا زعموا إذن
فما بالهم لم يقصدوني بالنصح ويكرموني بالإرشاد والتبيان.؟؟!!
لكن الله أعلم بما في غياباتِ القلوب ومخبّآت الصدور ومضمراتِ التفوس.

*عدتُ أدراجي للمخزنِ أتأملُ كراتين( التوحيد الميسر ) كاد يعلوها الغبارُ كما علا الهمُّ صاحبـَها .
أنظر حيناً للكتاب وحيناً أَسرحُ في أودية الحـُزن وأتيهُ في بيداء الفِـكـــَر.

*نهضت بعدها حاملاً نسخة من كتابي وانطلقت هائماً على وجهي لا ألوي على شيء حتى آوني الطريق لمخيم حملة مكة فدلفتُ إليها وجلستُ  عند مفتيها الشيخ الدكتور عبدالعزيز السدحان و( قصصت عليه القصص) فقلّب نظره في الكتاب ثم أثنى على موضوعه  وعقــّب على خبر المعترضين بسؤال يواسيني به: هل هؤلاء الذين يفتون بحُرمة توزيع الكتاب من( أهل العلم)!!؟؟؟
فطلبت منه أن يكتب تقديماً للكتاب أنشره في طبعته القادمة فأجابني بكل تواضع :مثل هذا الموضوع( التوحيد) ينبغي ألا يقدم له إلا العلماء الكبار أمثال الشيخ العلامة عبدالله الحبرين.

*فكان رأياً كالسهم أصاب غرةَ الهدف ومشورةً كالبحر في بُعد الغور وقرب المغترف.
*رجعتُ جذلانَ فرحاً بكلام الشيخ ومشورته كأنما نشطتُ من عقال ووصلت لمقر حملتي  لأُفجأ   بالشيخ الفاضل الدكتور /خالد المصلح زائراً لإلقاء كلمة وعظية والإجابة على أسئلة الحجيج فاهتبلتُ هذه الفرصة وأعطيتُـه نـُسخةً من الكتاب يراجعها .

*بعد أربعة أشهر أرسل لي الشيخ خالد المصلح مقدمةً ضافيةً للكتاب ولم يجدْ فيه أخطاءً عقديةً!!! كما زعم بعضهم.

*وقد ذكــــّرْتـــُه بالقصة قبل أيام فأرسل لي( تولى الله مكافأته) :
كتب الله أجركم وسددكم ونفع بكم ووقاكم شر كل ذي شر

*صدرتْ الطبعة الثانية في منتصف عام 1424 مـُوشحةً بتقديم الشيخ خالد المصلح وتم توزيع كامل النسخ في موسم حج 1424.

*لكنّ رأيَ الشيخ عبدالعزيز السدحان مازال يعتمل في نفسي فأرسلتُ الكتاب لشيخنا العلامة عبدالله الجبرين( رحمه الله رحمة واسعة ) في بدايات عام 1425 وقد تولّى الإسراع في عرض الكتاب على الشيخ أخٌ مفضالٌ وصديقٌ كريمٌ /فيصل بن عبدالله العريفي.

*فقرأ الشيخُ الكتابَ في أيامٍ معدودات فلم يعدّل معلومةً واحدةً وكتب مقدمةً أثنى فيها على موضوع الكتاب ونصح بطبعه ونشره وتوزيعه.

*رحمك الله ياشيخنا فلم أُبصر مثله أوسع كفاً لطالب
ولا أطول يداً بالمعروف لراغب.

*وقد لقيتُ الكثيرَ من العلماء وجالستُ العديدَ من العظماء  فكان رحمه الله أرحبـَهم في المكارم قدراً وأنضرَهم عوداً وأغزرهم جوداً وأكرمَهم شيمةً وأمجدهم سجيةً.

*صدرت الطبعة الثالثة وقد تـــُوّجت بتقديم علّامة الزمان وجبلِ العقيدة الشيخ الإمام عبدالله الجبرين.
ثم انتشرت طبعاتُ الكتاب بعد ذلك وتــــُرجـِم لأكثر من سبع لغات وشرحه بعضُ الأفاضل في دوراتهم العلمية وقُــــرّر منهجاً دراسياً في معاهد شرعية بمصر والشام واليمن وباكستان

*وليس هذا لعلمي ولا لفضلي بل لفضل محتوى الكتاب وبركةِ موضوعه( التوحيد) .
ولجلالةِ قدر المراجعين والمقرظين له( وعلى رأسهم شامة العز في جبين العلم شيخنا ابن جبرين رحمه الله). 

*هذه قصةُ كتاب( التوحيد الميسر ) وقد حرصتُ على ذكر أسماء كل من كان له جهدٌ في نشره أو توزيعه أو تشجيعِ مؤلفه عرفاناً بفضلهم وإشهاراً لمعروفهم.
وإن كان شكرهم شأواً بعيداً لا تبلغه أشواطي

*فلهم أياد كثيرة عليّ تثقلُ الكاهلَ ونـِعمٌ يتعب عدُّها الأناملَ.
مـِننٌ هي أحسن أثراً من الغيث الهامي.
وأحلى موقعاً من الماء البارد عند الظامي.



عبدالله بن أحمد الحويل
١٤٣٥/٨/٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشرف بتلقي تعليقك
ونشكرك على التكرم بالمشاركة