• عندما تحدثت في مقال سابق عن حقبة جمال عبدالناصر سألني أحد الإخوة عن القومية هل انتهت تماماً بوفاته أم أنها لا زالت على الخارطة الفكرية؟
• قبل أن أجيب عن السؤال دعونا نستنطق ذاكرةَ التاريخ قليلاً عن ظروف نشأة القومية وانتشارها وبعض رموزها وجهود بعض المصلحين لنبذها ونقض أصولها.
• نشأت القومية العربية كرد فعل ضد محاولات الأتركة التي كانت ينتهجها العثمانيون في البلدان العربية خاصة منطقة الشام ، وتصدياً للحركة القومية التركية التي أسسها ودعمها (يهود) الدونمة .
• فهبَّ بعضُ نصارى العرب ينادون إلى القومية العربية التي هي بمفهومهم دعوة إلى تمجيد العرب وإقامة دولة عربية موحدة على أساس من رابطة الدم والتاريخ واللغة وإحلالها محل رابطة الدين.
• قف هنا أيها المسلم الغيور وتأمل معي
خلافةٌ (أسلامية) قائمةٌ.. تتأسس فيها دعوة قومية تركية على يد(اليهود)
فينهض (نصارى) عرب لتأسيس دعوة قومية عربية مناهضة لها!!!
هل تعتقد بعد هذا كله أنني مريضٌ بـ(عقدة المؤامرة)؟
• كان انتشار القومية العربية محدودا حتى تبناها الرئيس المصري جمال عبد الناصر وزاوج بينها وبين (الاشتراكية) التي كانت رائجة آنذاك.
فعم الجنون القومي أنحاء العالم العربي.
وانتشرت المبادئ القومية ووصلت التعليم والإعلام.
• كانوا يُحفظون الأطفال في المدارس نشيدهم الذائع:
بلاد العُرب أوطاني
من الشام لبغدان
ومن نجدٍ إلى يمنٍ
إلى مصرَ فتطوان.
• بل اسمع إلى شاعرهم القروي وهو يقرر مبدأهم الوحدوي :
هبوني عيداً يجعل العرب أمة
وسيروا بجثماني على دين برهم
بلادك قدمها على كل ملةٍ
ومن أجلها افطر ومن أجلها صُمِ
سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا
وأهلاً وسهلاً بعده بجهنمِ
• بل حتى الجهاد والكفاح جردوه من معانيه الإسلامية وجعلوه قوميا عروبيا
يقول علي محمود طه في قصيدته التي كانت ومازالت تدرس لنا في مادة الأدب:
أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدى
أنتركهم يغصبون(العروبة!!)
مجدَ الأبوة والسؤددا.
• ورفعوا شعارهم الآثم (الدين لله والوطن للجميع).
بل كانوا يقولون :
نحن عرب قبل موسى وعيسى ومحمد!!!
• ويزعمون : أن الوحدة العربية حقيقة أما الوحدة الإسلامية فهي حلم!!!
• وتعاظم هذا الجنون القومي حتى قائل قائلهم:
إذا كان لكل عصر نبوته المقدسة فإن القومية العربية نبوة هذا العصر!!!.
• كاد القوميون أن يؤلهوا عبدالناصر وكان منهم من يردد:لن نهزم وبيننا جمال!!!
لكن زعيمهم البائس مُني بهزائم متتالية ثم خطفه (موت الفجأة) فانهار مشروعُهم الوحدوي وتبخرت أحلامهم القومية.
• تصدى الغيورون من علماء وقادة الأمة لهذه الموجة القومية الجارفة
وأشيرُ هنا لرجلين عظيمين كان لهما أثرٌ كبيرٌ في مكافحة هذه الآفة الفكرية والعاهة الكارثية.
الأول/سماحة الإمام جبل العقيدة في وقته الشيخ عبدالعزيز بن باز عليه شآبيب الرحمة
حيث ألف كتابا نسف به أصول القومية وأظهر عوارها وكشف زيفها سماه(نقد القومية العربية).
أما الثاني/فهو رجل المواقف الصعبة البطل العظيم والقائد الهمام الملكُ فيصل رحمه الله فقد تبنى الدعوة للوحدة الإسلامية ونادى الأمة للتضامن وجمع قادتها لهذا الغرض وكانت من بركاته منظمة العالم الإسلامي التي انبثقت منها هيئات مباركة كرابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي.
• نعود الآن لسؤالنا الذي استفتحننا به هذه المقالة
هل ماتت القومية بموت عبد الناصر؟
الحقيقة أنها انحسرت كثيرا بوفاته وبعد فشل مشاريعهم الوحدوية وهزائمهم المتتابعة.
• لكنها هذه الأيام بدأت تنتعش بفضل ثورات الربيع العربي الذي نفخ فيها الروح وأعادها لواجهة المشهد الفكري
• الملمح البارز لها هذه الأيام يكمن في نقطتين حسب ماأراه:
١_أنها تخلت عن اشتراكيتها وتدثرت بلباس الليبرالية تمشياً مع الموضة الفكرية السائدة الآن.
٢_تخلت عن فكرة الوحدة الاندماجية بعد ثبوت فشلها إبّان فترة عبدالناصر ويتبنى القوميون العرب الآن مفهوماً جديداً للوحدة العربية يُعتبر قريباً من المشروع الأوربي.
عبدالله الحويل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نشرف بتلقي تعليقك
ونشكرك على التكرم بالمشاركة