الاثنين، 30 يونيو 2014

من (حيل النّـمّـامين )


الخبرة لا تقاس ب( طول) السنين
وإنما تقاس ب( عرض) الأحداث والمصائب. 
وقد:
صُبّتْ عليّ مصائبٌ لو أنها صُبت على الأيامِ عُدْنَ لياليا. 
وإني قد جربت الناس واختبرت شؤونهم
وعجمتُ أعوادَهم عُوداً عُوداً
وسبرتُ أحوالهم حالاً حالًا
وغمزتُ قنواتهم قناةً قناةً
فما رأيت أشد لؤماً ولا أقبح سيرة ولا أخطر فساداً من( النّمّام)!!!. 

وكل علاقة تصرّمت أسبابُ( ودادها)
وتهدمت أركان( صفائها)
وتهلهلت وشائج( حبها )
ففي الغالب وراء ذلك( نمامٌ وضيعٌ ) يسوؤه اجتماع( الخلان )
ويمضُّ فؤادَه( صفاءُ الإخوان) 
ويَشْـرَقُ حزناً بـ( انسجامِ الأصحاب )
ويلتهبُ غيظاً من( تواصلِ الأحباب ). 

النميمة ياسادة هي شر مامُنيت به الفضيلة ورُزِئت به الإنسانية. 

والنمام كمايقول يحيى بن أبي كثير :يفسد في ساعة مالا يفسد الساحر في شهر.

وهو كالذُّباب الذي ينقل الجراثيم والميكروبات، وعمله أضر من عمل الشيطان الرجيم. 
فإن عمل الشيطان :بالوسوسة
وعمل النمام :بالمواجهة. 

والنمّام لا يأتيك في صورة( المفسد) البين( إفساده) ولايصرح لك قائلا:سأنقل لك كلاماً على جهة الإفساد ونية الإضرار. !!!

إنما لهم حيلٌ( شيطانية ) وأساليبُ( إبليسية ) يحفرون بها( الحفائر ) ويبثُّون لك بها( المصايد ) وينصبُون لك( المكايد). 

فمن حيلهم( الدنيئة) 
إظهار الشفقة وإعلان المحبة حتى إذا رآاك ركنت ل( خداعه ) واستروحت لحلو( كلامه ) سارع بإخبارك عن مانمى لعلمه وماطرق سمعه من قالة سوء فيك لم يستطع( لفرط محبته! ) أن يكتمها عنك. 
وما أقبح مماذقته وأشد مخاتلته. 
فتصدقه لما ترى من( مشاعر ) حبه وأمارات( غيرته ) عليك!! 
ولم تدرك أنه( عدوٌ ) في ثياب صديق 
و( بغيضٌ) في زي حبيب.

وربما ألبس( نميمته ) دثار التقى
وحلاّها ب( زينة الإيمان )!!! 
فيقبل عليك مستغفراً ومحوقلاً ومسترجعاً ومتخشعاً يقلّب نظره في السماء ثم يرمقك قائلاً :
أسأل الله ألا يكون هذا غيبة أو نميمة لكن من باب( النصح ) وعلى سبيل ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )!!! 
ثم يتقيأ( إفساداً ) لا يدع حبلاً للمحبة إلا قطعه ولا سبيلاً للود إلا سده ولا جبالًا للصداقة إلا نسفها. 
قاتله الله أنى يؤفك. 

واستخدام( الدين ) في( النميمة ) جريمةٌ مزدوجةٌ ونقيصةٌ مضاعفةٌ. 

أما أشدهم حيلةً وأبلغهم مكراً وأكثرهم خبثاً فهو الذي يدسُّ نميمته عرضاً في ثنايا حديثه ومطاوي كلامه كأنه لم ينوي إفشاءَ سر أو كشفَ ستر. 
يخيل إليك من خبثه أن مانقله لك لا يعدو كونه( زلة لسان ) غير مرادة
و( سقطة كلام ) غير مقصودة لينفي عن نفسه( نية الإفساد )
وويسقط تهمة( الإضرار )
فلاتعجب من أحدهم إذا حدثك عن( ثقب الأوزون ) أو أطنبَ في ذكر( فوائد الزعتر ) وفصّل في شرح( نظريات العولمة) ليوصل لك قدحاً أو شتماً من أحدهم فيك بكلمة أو إشارة عابرة في مجريات حديثه. 

فهنيئاً لرسل إبليس بهذه المرتبة التي لا ينحط لها إلا مرضى القلوب وقطاع طرق( الأرواح). 
وإذا راى إبليس طلعةَ وجهه حيّا وقال:فديتُ من لا يُفلِحُ. 

أيها النمامون أبشروا بثلاث رزايا تنتظركم في( الدنيا_والبرزخ_والآخرة )
الأولى /في الدنيا أنكم شرار خلق الله
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله( شرار عباد الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة ) أخرجه أحمد وحسنه الألباني. 
الثانية / أنكم معرضون لعذاب شديد في قبوركم
ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري ومسلم( مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال إنهما ليعذبان ومايعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ). 

وهنا نكتةٌ بديعةٌ وهي أنه لما كان( أول مايسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة ) و( أول مايقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء ). 
ومقدمة الصلاة :الطهارة وعدم التنزه من البول ينقضها. 
ومقدمة الدماء:العداوة والنميمة مفتاحها. 
لذا ناسب أن يبدأ في القبر الذي هو مقدمة الآخرة بعذاب الأعمال التي هي مقدماتٌ لأول ما يُسأل عنه الناس ،وأول مايقضى بينهم. 
الثالثة /في الآخرة 
النميمة ستمنعك من دخول الجنة
ففي الصحيحين من حديث حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لا يدخل الجنة نمام ) وفي لفظ( قتات ). 
والفرق بين النمام والقتات
أن النمام: يكون مع القوم فيسمع حديثهم فينقله للغير
والقتّات : يستمع للقوم وهم لايعلمون ثم ينم حديثهم. 

وقد ورد عن معاذ رضي الله عنه( النمامون يحشرون يوم القيامة على صورة القردة )

ختاماً 
أيها النمّامون( كُفوا عنا جشاءكم )
وارحلوا غير مأسوف عليكم من( ميادين ) صداقاتنا
وغادروا( ساحات ) علاقاتنا. 
فقد مسنا وأحبابنا الضُّر. 

عبدالله الحويل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشرف بتلقي تعليقك
ونشكرك على التكرم بالمشاركة