* انفتل الناس عن صلاة المغرب مستغفرين مسبحين .
التفت (أحمد) فرأى (يزيد) عن يمينه متأبطاً كتابه
ونظر إلى المحراب فأبصر (عبدالرحمن) يصلي الراتبة.
* وسمع جَـــلــَبةً تجاه حلقة الشيخ ..!!!
فاستدار برأسه يستجلي الأمر.
فشاهد الطلاب وهم يتسابقون لحجز أماكنهم ويتنافسون للدنو من كرسي الشيخ .
وميّز صديقه (معاذ) بينهم وهو يراجع كتابه بتركيز شديد فهو أول (قارىء) يستفتح الشيخ درسه به.
* ما أروعه من مشهد
وما أبهاه من مجلس
تقصُر دونه كلُّ لذائذ الدنيا
وتصغُر بجانبه جميع مباهج الكون.
إنها مجالسُ الجنة !!
فهل تجد لمجالس الجنة نظيراً أو شبهاً؟.
* ياضيعةَ الأعمار في مجالس لهو لاتسمن ولاتغني من (نعيم).
أتــُتْــرَكُ مجالس العلم لأجل مسلسل في تلفاز أو مباراة في ملعب أو مأكل في مطعم أو نوم في مفرش؟
(بئس للظالمين بدلاً)
* إِذا رَأَيْت شباب الْحَيّ قد نشأوا * * * لَا ينقُلُون قِلالِ الحِبر والوَرَقا
وَلَا تراهم لَدَى الْأَشْيَاخ فِي حلق * * * يَعُونَ من صَالحِ الْأَخْبَار مَا اتَّسَقَا
فذرهم عَنْك وَاعْلَم أَنهم همج * * * قد بدلُوا بعلو الهمة الحُمُقَا.
* هكذا حدث أحمد نفسه وهو يرقب مجلس شيخه المبجل.
* أوقف أحمد سلسال أفكاره لما رأى شيخه يسير نحو الحلقة.
فاختطَف كتابه من أمامه وهبّ مُسرعاً خشيةَ أن يقعد من شيخه (مكاناً قصياً).
* بعد أن استفتح الشيخ بالبسملة
وثنى بالحمدلة وثلّث بالصلاة على نبي العلم والهدى .
هَمّ معاذٌ أن يبتدأ القراءة فأومأ له الشيخ أنْ قف!!!
ثم فاجأهم بقوله: أرغب اليوم يا أبنائي أن أبتدركم بسؤالٍ وأستميحكم إجابته!!!!
* لقد تكبّـدتم المشاق وألزمتوا أنفسكم الحضور وأنفقتم ثمينَ أوقاتكم قصدَ العلم ورغبةَ التفقه في دين الله.
لكن ما حقيقةُ العلم عندكم يا أبنائي؟
* اتسعتْ أحداقُ الطلاب دهشةً ،وخيّـم عليهم سكونٌ رهيبٌ وعمّ الجمعَ صمتٌ عجيبٌ ، كأنما أُخرست أفواهم أو تجمّدت حركة ألسنتهم .
* ابتسم الشيخُ ثم صوّب نظره إلى معاذ قائلاً:
بما أنك الأولُ في القراءة فكــنْ أنت الأولُ في الإجابة.
* تلعثم مُعاذ هنيهة ثم استجمع رباطة جأشه وشتات أفكاره وقال:
العلم يا شيخنا أحسب أنه الحفظ فلا أتصورُ طالبَ علمٍ بدون حفظٍ ، وقد قال الأوّلون :كلُّ علمٍ لايدخل معك الحمّام فلاتعدّه علماً.
وقد درّستنا ياشيخ في منظومة الرحبي قوله:
والثلثان وهما التمامُ * فاحفظْ فكلُّ حافظٍ إمامُ.
* فالعلم ياشيخنا هو ماحواه الصدر لا ماحواه القمطر.
* وما أحسن ماقال الشافعي:
عِلمي مَعي حَيثُما يَمَّمتُ يَنفَعُني* *
قَلبي وِعاءٌ لَهُ لا بَطنُ صُندوق.ِ
إِن كُنتُ في البَيتِ كانَ العِلمُ فيهِ مَعي* *
أَو كُنتُ في السوقِ كانَ العِلمُ في السوق.
* _أحمد: أنا أخالفه ياشيخنا !!
فحقيقة العلم هو الفهم والإدارك وقد ذمّ الله أقواماً حفظوا العلم ولم يفقهوا معانيه وجعلهم (كالحِمارِ يحملُ أسفاراً) .
وماانتفاع طالب العلم بمحفوظاته إن كان لا يفهم معانيها ولا يعرف مقاصدها ؟؟
كالعيس في البيداء يقتلها الظم* * والماءُ فوق ظهورها محمولُ.
* _عبدالرحمن: أما أنا ياشيخنا فأُخَطـــّأُ زَميليّ معاذاً وأحمد.
وأظنُّ أن العلم ليس هو الحفظ أو الفهم بل هو كما قال الإمام الذهبي:
( إن العلم ليس بكثرة الرواية , ولكنه نور يقذفه الله في القلب , وشرطه : الإتباع , والفرار من الهوى والابتداع).
فالعلم الحقيقي هو العمل والإتباع .
ومنْ قــَصُــرَ علمُه عن العمل فهو إنما يستكثرُ من حجج الله عليه.
وعالمٌ بعلمه لم يعملن * * معذبٌ من قَبلِ عُبــّادِ الوثن.
* _يزيد: كلُّ ما قاله زملائي قبلي حسنٌ لكنه ليس هو حقيقة العلم في نظري!!
بل العلم الصحيح هو الذي فيه دعوةٌ وتبليغٌ.
فالنبي ﷺ يقول (بلغوا عني ولو آية).
ويقول أيضاً (نضَّرَ الله عبدًا سَمِع مقالتي فوعاها، فبَلَّغها مَن لَم يَسْمعها، فرُبَّ حامل فِقْه إلى مَن هو أفقه منه).
* ثم لـَـفَّـــهُـم الصمتُ مجدداً منتظرين كلمةَ الفصلِ من شيخهم.
* اتسعتْ ابتسامةُ الشيخ ثم قال :
_أحسنتم جميعاً فكلٌّ منكم أتى بركنٍ واحد من أركان العلم النافع!!
فالعلم الشرعي الذي يُثاب عليه حامله وينتفع به طالبه هو ماكان فيه هذه الأربعة التي أشرتم إليها(مجتمعةً) :
1_الحفظ
2_والفهم
3_والعمل
4_ونشره وتبليغه.
* ثم نهض من على كرسيه متحفزاً للمغادرة فصرخ به طلابه:
_لم نبدأ الدرس ياشيخ!!!
فأجابهم :
_هذا هو (الدرس).
عبدالله الحويل
1435/8/7
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نشرف بتلقي تعليقك
ونشكرك على التكرم بالمشاركة